(الأمل المتناثر)

  • 08.07.2019
ألوان الحياة تختلف من شخص لآخر، فبين كل حياة وأخرى فرق كبير، لكن هناك حياة إذا اجتمع فيها الكل لن تختلف، إنها قصتنا.
قصة الأمل المفقود ككنز بخريطة تائهة لا عنوان لها ولا مسكن ..
إنه الكلام الذي كان يقرأه صديقنا أحمد في الجريدة الصباحية على شرفة تطل على منظر أذاب قلوب البشر جمالا.. 
متبهرا  ممما قرأ على أنغام البلابل بجانب كوب من القهوة الساخنة المنعشة لذاكرته المتولدة من جديد بصباح مشرق بأنوار شمس تمد الراحة لنا لنتنعم 
تقدم الأمل من ذارعي الحنان على شعر أحمد الناعم المتناثر من الهواء الطلق  قائلا :(عساك بخير يا ولدي ! )
 سمعها أحمد كأنغام موسيقية قلبه قد رق لها واستراح بسماعها 
وكم من خير قد أتاني عند رؤياك يا صاحبة الوجه البشوش يا مالكة للعين والروح  .. لكن يا أمي هل الحياة دار عجز وفناء وانهدار ! مالها لا ترى حال الناس وترأف بهم ! ما لها لا ترانا ! لا ترى عجزنا عن مقاومتنا لها ! عن  ضعف قلوبنا أمام كبرها وسيئاتها !
قالت : ( يا قرة العين إن الله يمتحن الناس بالناس ! يمتحن صبرهم بأجمل ما تمنوا ليرى أن الحياة لا قيمة لها لولاه لولا بصيص نوره وأمله !)
قال : ( بدمعة تسيل برجفة تعتمر بناء جسده .. ولكن يا أمي ألا ترين أنني فقدت سندا كان لي !! ألا ترين أن الحياة صارت كالجبال فوق رأسي !! 
الحياة بالحياة !! 
قالت : ( الحياة بالحياة !)
قال : نعم حياة بحياة .. فقدت نور بصيصها فقدنا أبي يا أمي لا استطيع نكران أن الحياة متوهجة بنورها لنا !  لا استطيع انكار أن الحياة فيها الممنوع وفيها المسموح فيها الألم والأمل ومن بصيص الألم يخرج الأمل .. ( إن مع العسر يسرا ! )
تلعثمت الأم بدمعاتها ولم تكمل حديثها .. كادت أن تدلف من الشرفة لتستريح في تختها 
فأوقفها قائلا : لم أقصد يا أمي !! 
قالت : ( بابتسامة ممزوجة بخيرات أعينها ) ( ما دام الله ربنا لا يأس من حياتنا يا ولدي لا تنسى !! (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ)
أفاق أحمد من حلم اليقظة هذا بعد أن أدام النظر في فنجان قهوته الذي برد ولكنه سقى أمله بحبل الله متمسكا بأقوال أمه المملوئة بالحياة اليافعة 
أغلق باب المنزل مطأطئ رأسه أخذا حقيبته متجها لجامعته الألمانية التي باتت أمله المتناثر ومكان الضحكات وأسرارها  ..
تدحرجت الأيام في مخيلته على حقيقته كأنها كرة سحابية تتقلب في لحظات 
وآتى اليوم المنتظر، بدء الأستاذ بتوزيع الأسماء وخرج أحمد من بين الأسماء الثلاثة الأولى خرج ليستلم الشهادة التي لطالما حلم بها رغم التعب الذي أصابه، استلم مكبر ليتكلم بكلام قد غصت عيناه منه فقال :
 (كانت بداية طريقي بأب يحملني على ذراعيه يؤذن لي كمولود جديد صوت أذانه ما زال يطن في آذاني طنت الحنين والألم طنت أعادتني إلى حلم لطالما انتظره والدي مني .. طنت أعادتني إليه إلى أبي الذي توفي وعمري لم يتجاوز الـ 5 سنوات في وقتها أدمعي ذرفت وكأنهما سحابتان تعصران المطر عصرا شديدا في صيف قاحط ، إن اليوم الذي تمناه أبي أن يراني فيه اليوم البعيد الذي أذاب قلب أبي من جماله ورقته إنه هذا اليوم 
تمنى أن يراني أحمل شهادتي الجامعية التي تسمح لي بفتح مجالي في أرض الله لأبصر في مجالاتي التي لطالما حلمت برونقتها 
 سأقول ( يا أبي صحيح أنك لم ترني ولكن بدعواتك جعلت العالم يراني .. رحمك الله يا عزيزا لقلب كلما مشى رأى دعواتك تسنده من كل جهة دون تكاسل أو عصيان )
إن الحياة مهما كبرت وكبرت يا أصحابي ستظل حياة صغيرة لا معنى لها دون أمل الله لنا وبصيص نوره 
اصبروا لتنالوا .. وما الصبر والنيل والبلاء إلا من الله .. ولن يخرج الأمل إلا من ألم يصيبكم 
((وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ )
 
عبد القادر السيد عمر

Sosyal Ağ

Yorumlar